لدكتور جواد العناني
يبدو العالم العربي وكأنه حالياً لوحة من لوحات الرسام الهولندي الشهير “يان سْتين”، فالناس في الصور مشغولة بشؤونها، وكل واحد أو أثنين يعيشان في عالم خاص، ولا مشترك بينهم إلا الزمان والمكان.
ولقد قسم الربيع العربي الدول إلى أربعة مجموعات:
– الأولى هي دول الربيع المباشر مثل تونس ومصر واليمن وسورية وليبيا.
– والثانية هي دول على هامش ذلك الربيع وتتأثر به مثل المغرب، الأردن، ولبنان، والبحرين وإلى حد ما الكويت.
– والثالثة: دول الحرب الداخلية مثل الصومال، والعراق إلى حد ما، والسودان، وموريتانيا بين الحين والآخر، وجزر القمر، وانقسام كما هو الحال في فلسطين.
– والرابعة: شهدت أحداثاً دون استمرار أو دول الربيع العربي المتقطع مثل سلطنة عُمان، والمملكة العربية السعودية.
– والخامسة: دول بقيت إلى حد كبير في منأى عن مؤثرات الربيع العربي مثل قطر والامارات العربية المتحدة، وهي دول الربيع الصيفي.
وحتى داخل كل مجموعة هنالك تباين في الظروف والتطورات.
ولابد إيضاً من ابداء ملاحظة ثانية وهي أن تزامن الأزمة الاقتصادية العالمية وتطوراتها وتجليانها وانعكاساتها من ناحية، والآثار الناجمة عن الربيع العربي قد تتداخل ويصعب التمييز بينهما. وأما الملاحظة الثالثة فهي أن الآثار الاقتصادية الناجمة عن الربيع الذي ومؤثراته السياسية والأمنية تتفاوت في حجمها وعمقها بين دولة وآخرى، ومن فترة زمنية قصيرة الأجل إلى الفترات متوسطة الأجل وطويلته.
ففي المدى القصير هنالك خسائر مباشرة حاضرة قد يصل مجموعها إلى (200) مليار دولار. ولكن هذه الآثار في المدى المتوسط قد تكبر إن استمرت حالة البعثرة الحالية. أو أنها قد تؤدي إلى إعداد الأرضية السليمة لانطلاقةٍ اقتصادية صحية في المدى الطويل.
أما الملاحظة الرابعة، فهي أنَّ الدول العربية الآن تمر ديمغرافياً في مرحلة اسمها الفرصة السكانية، والتي سوف تصل أقصى مدى لها بين الأعوام 2030 – 2027 حين يكون ثلثا سكان الوطن العربي في سن العمل بين (15 – 65) سنة، وربما تصل هذه النسبة إلى (70%) في بعض الدول العربية. وسيكون أمام الدول العربية إما الخيار التركي الذي نجح في اقتناص هذه الفرصة التاريخية وأقام قاعدة إنتاجية صلبة ومتنوعة قافزة بتركيا التي كانت تعتبر دولة مفلسة عام (1980) إلى مصاف الدول الاكبر اقتصاداً في العالم (رقم 16)، أو الخيار اليوناني بدون تفسير. وبمعنى آخر أننا نستمر في النظم الريعية والرفاهية بدون انتاج أو تنافسية وتصبح الفرصة السكانية عبئاً على اقتصاداتنا وأمننا الاجتماعي الداخلي.
والملاحظة الخامسة هو التغير الذي بدأ يشهده العالم العربي في التنوع الاقتصادي داخل الدول، فالسعودية تصدر منتوجات صناعية وزراعية، والأردن يصدر ويستورد رأسمال وعمالة، ودول الخليج تعاني من بطالة، والفقر يعم في الدول العربية كلها بدون استثناء، وتفاوت الدخل كبير ويزداد داخل الدول وفيما بينها. ولهذا يصبح تحدي البطالة والفقر مشكلة كبرى لابد من تركيز الجهود عليها، خاصة وأن البطالة مركزه في صفوف الشباب حيث تبلغ النسبة ضعف المعدلات الوطنية، وحيث نصيب النساء من البطالة أكثر من ضعف نصيب الرجال.
والملاحظة السادسة، والتي لا بد من أن نركز عليها هي قضية تقسيم الكعكة قطرياً وقومياً بين الخبز والرصاص. فمن ناحية يبلغ الانفاق العسكري معدلات مرتفعة (أكثر من خمس الموازنات العامة للدول)، ويفوق الانفاق على هذا البند ما ينفق على قطاعات التعليم والصحة والعمل. ولعل الدافع إلى هذا هو غياب الأمن الدّاخلي، واضطراب الأمن الأقليمي. ولعل التحليل الذي يقدم في هذا المؤتمر العتيد يعتمد في الدرجة الاساسية على افتراض بقاء الأمور على حالها. ولكن إذا قامت حرب في المنطقة واغلق على اثرها مضيق هرمز، فإن التحليل ستأخذ توجهاً آخر مختلفاً كل الاختلاف عما هو عليه حالياً.
فما هي مقترحات الحلول
أولاً: يجب أن يبدأ التفكير الجدي في وضع سياسة اقتصادية تأخذ احتمالات الحرب في المنطقة بعين الاعتبار، وتطرح الأسئلة الهامة التالية: أولها ما هي بدائل إغلاق مضيق هرمز، وهل هذه جاهزه؟ ما هي كلفة الحرب على الأطراف المباشرة وغير المباشرة، وهل نحن بحاجة إلى بلورة موقف عربي موحد منها؟ وهل هنالك سياسات خروج (Exit Policy) من هذه الأزمة قبل الحرب أو بعدها؟
ثانياً: بافتراض أن المنطقة تجاوزت حالة الحرب دون أن تتجاوز حالةالتوتر، فماذا نحن فاعلون في المنطقة، هل بالامكان وضع تصورات لحل عربي المواجهة أكبر المشكلات التي تعترضنا، وهي مشاكل البطالة والفقر، ومواجهة حالة الفساد والاقتصادات الرَّيْعِيّة، وبناء استثمارات عربية مشتركة؟ أعتقد أن بالامكان اعادة النظر في آليات الجامعة العربية والمؤسسات العربية المشتركة بحيث يصبح لها تأثيراً أكبر (أسناناً وأنياباً)، ومثلما رأينا دور الجامعة العربية يزداد فعالية في الأونة الأخيرة لأن كبار الأعضاء في الجامعة يريدون لها هذا الدور. فهل بالامكان زيادة نفوذ وفعالية الصندوق العربي وصندوق النقد العربي بحيث تكون الوسيط بين الدول العربية والمنظمات الدولية البديل؟ وبحيث يكون النظام العربي قادراً على مواجهة التحديات الاقتصادية العربية بالتعاون مع الاقتصاد الدولي ولكن ضمن شروط تجنبنا شروط التصحيح الاقتصادي التي فرضت على كثير من الأقطار العربية؟ علينا أن نسعى لكسب ثقة المواطن العربي في المؤسسات العربية.
ثالثاً: وتسهيلاً لمهمة الاستثمار العربي البيني وتنفيذ كثير من المشروعات الكبرى المشتركة، فلا بد من إنشاء صندوق عربي للمشروعات الكبرى البينية وبخاصة في مجالات البنية التحتية مثل سكك الحديد، وأنابيب النفط والغاز، ومشروعات الربط الكهربائي، والمشروعات الصناعية الكبرى (وبخاصة النفطية منها مثل التكرير واليزوكيماويات والغازات السائلة).
رابعاً: ينشأ في الدول العربية الراغبة بنك للتنمية الوطنية مكون من رأسمال كبير، ويساهم في رأسمال هذا النوع من البنوك حكومة الدولة المعنية وصناديق التقاعد والضمان فيها، والصناديق السيادية العربية، ومؤسسة التمويل الدولية، وبنك الانشاء والتعمير الأوروبي. ويوضع لهذا النوع من البنوك أنظمة خاصة للإدارة والإدارة البشرية، وأسس التمويل والمتابعة. وتقوم هذه البنوك بالاشراف على مؤسسات الاقراض التنموي داخل الدولة، وتتعامل مُباشرة مع المؤسسات العربية المشتركة والصناديق السيادية. ويقدم بنك التنمية قروضاً، ويصدر كفالات، ويستطيع المساهمة في المشاريع التي يختارها وتثبت جدواها، ويدير المحافظ والصناديق الادخارية ولكنه لا يقبل الودائع حتى لا ينافس البنوك التجارية. وله إيضاً أن ينشى نافذة تعامل مصرفي إسلامية. ويضمن مثل هذا البنك التنموي إيضاً القروض نيابة عن الحكومات حتى لا يزيد من حجم المديونية على الموازنة. وإذا انشئت بنوك أخرى في أقطار عربية أخرى، فإن هذه البنوك التنموية تشكل معاً شبكة تتعامل مع بعضها البعض من خلال الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي. أما النوافذ الاسلامية فيها فتتعامل مع بعضها كذلك من خلال البنك الاسلامي للتنمية.
خامساً: لا بد من فتح أسواق المال العربية على بعضها البعض، والسماح بالاتجار بالأسهم ضمن قواعد واضحة. وقد نوقشت هذه النقطة كثيراً، ولكنها حتى الآن لم تلق التجسيد المطلوب على أرض الواقع.
سادساً: تبني إتفاقية عربية موحدة للاستثمار بين الدول العربية بحيث تعطي كل أنواع الاستثمارات المختلفة وتفتح المجال أمام كل أنواع الاستثمار داخل الدول العربية، وتوفر الشروط الكاملة للحيلولة دون المخاطر غير التجارية، وضمان التقيد بنصوص الاتفاق، وعدم تعريض هذه الاستثمارات لأية خسائر أو أضرار مع ضمان سلوك عربي موحد إزاء أي دولة تخرج عن نصوص هذه الإتفاقية.
سابعاً: لا بد من جعل الوطن العربي كله سوقاً واحدة مفتوحة على بعضها البعض خلال فترة لا تتجاوز سنوات محددة، والسعي لمساعدة كل الدول العربية لكي توفي بالشروط المطلوبة للدخول في هذه العضوية.
هذه بعض المقترحات القابلة للتنفيذ، والتي أرى أن بالإمكان إنجازها بالتدريج وضمن خطة عربية استراتيجية لا تتجاوز السبع سنوات بحيث تصبح الدول العربية سوقاً حرة مفتوحة على بعضها البعض تجارة واستثماراً قبل حلول عام (2020).